بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين أبو القاسم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
ها قد مر الوقت وأقبلت
العشرة الثانية من رمضان.
وكل أيام الله مغفرة لأنه هو الغفور
العفو سبحانه وتعالى
ولكن لكي يصيبنا غفران الله وعفوه هيا لنوصي بعضنا البعض بشيئين مهمين:
أن نجدد جميعاً التوبة إلى الله وأن نرجع إلى الله ونتوب من كل ذنب اجترأنا فيه على ملك الملوك وأرحم الراحمين، وأن نعلم أنه مادام الله قد وفقك لقراءة هذا الكلام عن التوبة فهو يريدك أن تتوب وترجع إليه وإلا ما جعلك تقف على هذا الكلام.
لا تيأس أبداً من عفو الله ورحمته لأن رحمته وسعت كل شيء، وإذا كان الله قد قال: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"، فما بالك بنا أمة الحبيب "محمد" صلى الله عليه وآله وسلم؟! وقال: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى"، فهذا وعد من الملك الذي لا يخلف الميعاد.
بل إن الله تعالى يعد كل عاصٍ إذا تاب إلى الله وبدأ في الأعمال الصالحة بأن يبدل مكان سيئاته حسنات. "إلا من تاب وآمن وعمل عمل صالحاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات". فهنيئا لمن سيتوب ويستغفر من ذنوبه... ما أكرمك يا الله!!
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".
فلا تيأس من عفوه وغفرانه وارجع إليه بسرعة في هذه الأيام التي يزيد فيها العفو على العباد فلنكن جميعاً منهم ولا نيأس مهما كانت ذنوبنا. وشروط التوبة أربعة أو ثلاثة على حسب نوع الذنب فإن كان في حق الله فقط فثلاثة:
1- الندم على هذا الذنب
2- الإقلاع عنه
3- العزم الأكيد على عدم العودة
وإن كان في حق أحد من الناس يضاف إليه شيء رابع هو إرجاع الحقوق إلى الناس أو الاعتذار لهم ليسامحونا.
أما الشيء الثاني الذي نحصل به على عفو الله ومغفرته فهو أن نعفو نحن عن بعضنا البعض وعن كل من أساء إلينا فإن الله عفو يحب العفو.
فاعفُ عن غيرك حتى يعفو الله عنك، ولنتفق على أشياء تشجعنا على العفو عن كل من أساء إلينا:
1- البشر يخطئون وأنت أيضاً تخطئ كما يخطئون، وتسيء إلى غيرك حتى وأنت لا تشعر. ومن ثم فأنت تحتاج لمن يسامحك ويعفو عنك بمثل ما هو مطلوب منك العفو عنهم.
2- التسامح عكس شهوة البشر في حب التشفي والإهانة، فأنت إذا عفوت حاربت نفسك من أجل الله عز وجل فيعلو مقامك عنده.
ومن صفات أهل الجنة العفو. لقد قال الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين". فتذكر أن من صفات أهل الجنة المتقين أنهم يعفون عن من أساء إليهم.
ولذلك يقول أمامنا "علي بن الحسين":عليه السلام "إذا كان يوم القيامة نادى مناد
أيكم: أهل الفضل؟ فيقوم بعض من الناس فيقال: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين، فيقولون إلى الجنة. فيقول الملائكة: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، فيقول الملائكة: من أنتم؟ يقولون: أهل الفضل. فيقول الملائكة: وما كان فضلكم؟ قالوا: نحن قوم إذا أسيء إلينا عفونا وإذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا. فيقول الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين".
هذا هو التمييز في الدنيا الذي يجلب التمييز في الآخرة.
ومن صفات النبي في التوراة كما روي عنه"يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر.."..
وإذا جاء الشيطان فقال لك: إذا عفوت فستكون ذليلا وسط الناس ويضيع حقك بين الناس فترد عليه بحديث النبي الصادق صلى الله عليه وسلم: "ما زاد الله عبداً يعفو إلا عزاً". واقرأ معي كلام سيدنا "أبي بكر الصديق": "يقال يوم القيامة للناس: من كان له عند الله شيء فليقم. فيقوم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس". وكيف لا؟! ألم يقل الله تعالى: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"؟!
وانظر لهذا الثواب الكبير.. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا". أي أن الله سيغفر لكل الناس إلا المتخاصمين الذين لا يعفون عن بعضهم البعض، فلا تكن منهم بل خذ ثوابك وثواب صاحبك بأن تبدأ أنت بالصلح فيغفر لك وله.
ولما قام "عبد الرحمن بن ملجم" بطعن مولانا "علي بن أبي طالب عليه السلام " أمسكه المسلمون وأسروه وأخبروا مولانا "عليه السلام" قبل أن يموت، فقال "عليه السلام": "أحسنوا إليه فإن أنا بقيت أنظر في أمري أخذت حقي أو عفوت، وإن مت فاقتلوه ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".
لذلك فالوصية هي العفو عن كل من أساء إلينا
حتى يعفو الله عنا.
وعلينا بالتوبة والرجوع إلى الله..
والله المستعان